التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيان تمييز ما يحبه الله تعالى عما يكرهه

وكل فعل صادر منك فإنه إما شكر وإما كفر إذ لا يتصور أن ينفك عنهما وبعض ذلك نصفه فى لسان الفقه الذى تناطق به عوام الناس بالكراهة وبعضه بالخطر وكل ذلك عند أرباب القلوب موصوف بالخطر فأقول مثلا لو أستنجيت باليمنى فقد كفرت نعمه اليدين إذ خلق الله لك اليدين وجعل إحداهما أقوى من الأخرى فاستحق الأقوى بمزيد رجحانه فى الغالب التشريف والتفضيل وتفضيل الناقص عدول عن العدل والله لا يأمر بالعدل ثم أحوجك من أعطاك اليدين إلى أعمال بعضها شريف كأخذ المصحف وبعضها خسيس كإزالة النجاسة فإذا اخذت المصحف باليسار وأزلت النجاسة باليمين فقد خصصت الشريف بما هو خسيس فغضضت من حقه وظلمته وعدلت عن العدل وكذلك إذا بصقت مثلا فى جهة القبلة أو استقبلتها فى قضاء الحاجة فقد كفرت نعمة الله تعالى فى خلق الجهات وخلق سعة العالم لأنه خلق الجهات لتكون متسعك فى حركتك وقسم الجهات إلى ما لم يشرفها وإلى ما شرفها بأن وضع فيها بيتا أضافة إلى نفسه استمالة لقلبك إليه ليتقيد به قلبك فيتقيد بسببه بدنك فى تلك الجهة على هيئة الثبات والوقار إذا عبدت ربك وكذلك انقسمت أفعالك إلى ما هى شريفة كالطاعات وإلى ما هى خسيسة كقضاء الحاجة ورمى البصاق فإذا رميت بصاقك إلى الجهة القبلة فقد ظلمتها وكفرت نعمة الله تعالى عليك بوضع القبلة التى بوضعها كمال عبادتك وكذلك إذا لبست خفك فابتدأت باليسرى فقد ظلمت لأن الخف وقاية للرجل فللرجل فيه حظ والبداءة فى الحظوظ ينبغى أن تكون بالأشرف فهو العدل والوفاء بالحكمة ونقيضه ظلم وكفران لنعمة الخف والرجل وهذا عند العارفين كبيرة وإن سماه الفقيه مكروها حتى إن بعضهم كان قد جمع إكرارا من الحنطة وكان يتصدق بها فسئل عن سببه فقال لبست المداس مرة فابتدأت بالرجل اليسرى سهوا فأريد أن أكفره بالصدقة نعم الفقيه لا يقدر على تفخيم الأمر فى هذه الأمور لأنه مسكين بل بإصلاح العوام الذين تقرب درجتهم من درجة الإنعام وهم مغموسون فى ظلمات أطم وأعظم من أن تظهر أمثال هذه الظلمات بالإضافة إليها فقبيح أن يقال الذى شرب الخمر وأخذ القدح بيساره قد تعدى من وجهين أحدهما الشرب والآخر الآخذ باليسار ومن باع خمرا فى وقت النداء يوم الجمعة فقبيح أن يقال خان من وجهين أحدهما بيع الخمر والآخر البيع فى وقت النداء ومن قضى حاجته فى محراب المسجد مستدبر القبلة فقبيح أن يذكر تركه الأدب فى قضاء الحاجة من حيث إنه لم يجعل القبلة عن يمينه فالمعاصى كلها ظلمات بعضها فوق بعض فيمنحق بعضها فى جنب البعض فالسيد قد يعاقب عبده إذا استعمل سكينه بغير إذنه ولكن لو قتل بتلك السكين أعز أولاده لم يبق لاستعمال السكين بغير إذنه حكم ونكاية فى نفسه فكل ما راعاه الأنبياء والأولياء من الآداب وتسامحنا فيه فى الفقه مع العوام فسببه هذه الضرورة وإلا فكل هذه المكاره عدول عن العدل وكفران للنعمة ونقصان عن الدرجة المبلغة للعبد إلى درجات القرب بعضها يؤثر فى العبد بنقصان القرب وانحطاط المنزلة وبعضها يخرج بالكلية عن حدود القرب إلى عالم البعد الذى هو مستقر الشياطين وكذلك من كسر غصنا من شجرة من غير حاجة ناجزة مهمة ومن غير حاجة غرض صحيح فقد كفر نعمة الله تعالى فى خلق الأشجار وخلق اليد أما اليد فإنها لم تخلق للعبث بل للطاعة والأعمال المعينة على الطاعة وأما
الشجر فإنه خلقه الله تعالى وخلق له العروق وساق إليه الماء وخلق فيه قوة الاغتذاء والنماء ليبلغ منتهى نشوه فينتفع به عباده فكسره قبل منتهى نشوة لا على وجه ينتفع به عباده مخالفة لمقصود الحكمة وعدول عن العدل فإن كان له غرض صحيح فله ذلك إذ الشجر والحيوان جعلا فداء لأغراض الإنسان فإنهما جميعا فانيان هالكان فإفناء الأخس فى بقاء الأشرف مدة ما أقرب إلى العدل من تضييعهما جميعا وإليه الإشارة بقوله تعالى وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه نعم إذا كسر ذلك من ملك غيره فهو ظالم أيضا وإن كان محتاجا لأن كل شجرة بعينها لاتفى بحاجات عباد الله كلهم بل تفى بحاجة واحدة ولو خصص واحد بها من غير رجحان واختصاص كان ظلما فصاحب الاختصاص هو الذى حصل البذر ووضعه فى الأرض وساق إليه الماء وقام بالتعهد فهو أولى به من غيره فيرجع جانبه بذلك فإن نبت ذلك فى موات الأرض لا بسعى آدمى اختص بمغرسة أو بغرسه فلا بد من طلب اختصاص آخر وهو السبق إلى أخذه فللسابقخاصية السبق فالعدل هو أن يكون أولى به وعبر الفقراء عن هذا الترجيح بالملك وهو مجاز محض إذ لا ملك إلا لملك الملوك الذى له ما فى السموات والأرض وكيف يكون العبد مالكا وهو فى نفسه ليس يملك نفسه بل هو ملك غيره نعم الخلق عباد الله والأرض مائدة الله وقد أذن لهم فى الأكل من مائدته بقدر حاجتهم كالملك ينصب مائدة لعبيده فمن أخذ لقمة بيمينه واحتوت عليها براجمه فجاء عبد آخر وأراد انتزاعها من يده لم يمكن منه لا لأن اللقمة صارت ملكا له بالأخذ باليد فإن اليد وصاحب اليد أيضا مملوك ولكن إذا كانت كل لقمة بعينها لا تفى بحاجة كل العبيد فالعدل فى التخصيص عند حصول ضرب من الترجيح والاختصاص والأخذ اختصاص ينفرد به العبد فمنع من لا يدلى بذلك الاختصاص عن مزاحمته فهكذا ينبغى أن تفهم أمر الله فى فى عباده ولذلك نقول من أخذ من أموال الدنيا أكثر من حاجته وكنزه وأمسكه وفى عباد الله من يحتاج إليه فهو ظالم وهو من الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله وإنما سبيل الله طاعته وزاد الخلق فى طاعته أموال الدنيا إذ بها تندفع ضروراتهم وترتفع حاجاتهم نعم لا يدخل هذا فى حد فتاوى الفقة لأن مقادير الحاجات خفية والنفوس فى استشعار الفقر فى الاستقبال مختلفة وأواخر الأعمار غير معلومة فتكليف العوام ذلك يجرى مجرى تكليف الصبيان الوقار والتؤدة والسكوت عن كلام غير مهم وهو بحكم نقصانهم لا يطيقونه فتركنا الاعتراض عليهم فى اللعب واللهو وإباحتنا ذلك إياهم لا يدل على أن اللهو واللعب حق فكذلك إباحتنا للعوام حفظ الأموال والاقتصار فى الإنفاق على قدر الزكاة لضرورة ما جبلوا عليه من البخل لا يدل على أنه غاية الحق وقد أشار القرآن إليه إذ قال تعالى إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا بل الحق الذى لا كدورة فيه والعدل الذى لا ظلم فيه أن لا يأخذ أحد من عباد الله من مال الله إلا بقدر زاد الراكب فكل عباد الله ركاب لمطايا الأبدان إلى حضرة الملك الديان فمن أخذ زيادة عليه ثم منعه عن راكب آخر محتاج إليه فهو ظالم تارك للعدو وخارج عن مقصود الحكمة وكافر نعمة الله تعالى عليه بالقرآن والرسول والعقل وسائر الأسباب التى بها عرف ان ما سوى زاد الراكب وبال عليه فى الدنيا والآخرة فمن فهم حكمة الله تعالى فى جميع أنواع الموجودات قدر على القيام بوظيفة الشكر واستقصاء ذلك يحتاج إلى مجلدات ثم لا تفى إلا بالقليل وإنما أوردنا هذا القدر ليعلم علة الصدق فى قوله تعالى وقليل من عبادى الشكور وفرح إبليس لعنه الله بقوله ولا تجد أكثرهم شاكرين فلا يعرف معنى هذه الآية من لم يعرف معنى هذا كله وأمورا أخر وراء ذلك تنقضى الأعمار دون استقصاء مباديها فأما تفسير الآية ومعنى لفظها فيعرفه كل من يعرف اللغة وبهذا يتبين لك الفرق بين المعنى والتفسير فإن قلت فقد رجع حاصل هذا الكلام إلى أن الله تعالى حكمه فى كل شىء وأنه جعل بعض أفعال العباد سببا لتمام الحكمة وبلوغها غاية المراد منها وجعل بعض أفعالها مانعا من تمام الحكمة فكل فعل وافق مقتضى الحكمة حتى انساقت الحكمة إلى غايتها فهو شكر وكل ما خالف ومنع الأسباب من أن تنساق إلى الغاية المرادة بها فهو كفران 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الخريدة البهية للامام الدردير

فهذامختصر في العقائد على مذهب الإمام الأشعري، وهو وإن كان صغيرا في الحجم، إلا إنهيشتمل على زبدة علم التوحيد مختصر شرح الخريدة البهية للإمام الفقيه العالم الولي الصالح أحمد بن محمد بن أحمد الدردير المالكي اختصرها وعلق عليها الأستاذ الكبير  سعيد فودة   يقول راجي رحمةَ القديرِ الحمد لله العليِّ الواحدِ وأفضل الصلاة والتسليمِ وآله وصَحْبِهِ الأَطْهار أي أحمدُ المشهورُ بالدرديرِ العالِمِ الفرْدِ الغنيِّ الماجدِ على النبيِّ المصطفى الكريمِ لا سِيَّمَا رفيقُهُ في الغارِ في هذه التعليقات، سوف نصب اهتمامناعلى بيان تفصيل سهل للمعاني المذكورة في المتن، مع الإشارة إلى كثير من الأدلة النقليةعليها. وذلك في أسلوب سهل وواضح تقريبا على المبتدئين في هذا العلم الجليل،وسدَّاً لحاجة الناس في هذا الباب، فإنه يوجد القليل من كتب العقائد على طريقة أهلالسنة التي اتبع مؤلفها مثل هذا السبيل. ولا شك أن هذا أي الاهتمام ببيان الأدلةالنقلية مع عدم إهمال الأدلة العقلية يكون أكثر فائدة للقارئ بتوفيق الله تعالى.ولن نهتم ببيان الخلافات بين العلماء والتدقيقات التي يمكن الاستغناء عنهاللمبتدئي...

اكواد اسلامية html

اكواد اسلامية html اقدم لكم اخوتى فى الله أكوادا اسلامية مهمة جدا لمدونتك تجعلها جذابة        جعل الله ذلك فى ميزان حسناتك ********** طريقة وضع الكود فى مدونات قوقل (بلوجز) من اعلى الصفحة اضغط تصميم أختر اضافة أداة ثم أختر HTML/javascript ضع الكود فى المحتوى ثم اضغط على حفظ ***************    كود اناشيد اسلامية انسخ الكود التالي <center><iframe align="center" id="IW_frame_1438" src=" http://www.tvanashed.com/add/index.htm " frameborder="0" allowtransparency="1" scrolling="no" width="302" height="334"></iframe></center> كود القران الكريم <div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on"> <span class="Apple-style-span" style="color: #887766; font-family: Arial, sans-serif; font-size: small;"><span class="Apple-style-span" style="font-size: 12px;"><span class="Apple-style-span" style...