التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أدب المريد مع شيخه وإخوانه



أدب المريد مع شيخه وإخوانه
بعد أن عرفنا فائدةالصحبة وأهميتها، وبصورة خاصة صحبة الوارث المحمدي ؛ وهو الشيخ المرشد المأذونبالتربية الذي ترقَّى في مقامات الرجال الكمل على يد مرشد كامل مسلسلاً إلى النبيصلى الله عليه وسلم، وجمع بين الشريعة والحقيقة، ثم تبيَّن معنا أهمية بيعته وأخذالعهد عنه وملازمته، نذكر هنا بعضاً من الآداب التي تطلب من المريد الصادق كييتحقق له الوصول إلى مطلوبه، فقد اتفق أهل الله قاطبة على أن من لا أدبَ له لاسيرَ له، ومن لا سيرَ له لا وصولَ له، وأن صاحب الأدب يَبلغ في قليل من الزمن مبلغَالرجال، وها نحن نورد بعض آداب المريد مع شيخه وإخوانه:


 - آداب المريد مع شيخه:


وهي نوعان: آدابباطنة، وآداب ظاهرة.


فأما الآداب الباطنةفهي:

 الاستسلام لشيخه وطاعته في جميع أوامره ونصائحه، وليس هذا من باب الانقيادالأعمى الذي يهمل فيه المرء عقله ويتخلى عن شخصيته، ولكنه من باب التسليم لِذيالاختصاص والخبرة ؛ بعد الإيمان الجازم بمقدمات فكرية أساسية، منها التصديق الراسخبإذنه وأهليته واختصاصه وحكمته ورحمته، وأنه جمع بين الشريعة والحقيقة.. الخ. وهذايشبه تماماً استسلام المريض لطبيبه استسلاماً كلياً في جميع معالجاته وتوصياته،ولا يُعَدُّ المريض في هذا الحال مهملاً لعقله متخلياً عن كيانه وشخصيته، بليُعْتَبَرُ منصفاً عاقلاً لأنه سلَّم لذي الاختصاص، وكان صادقاً في طلب الشفاء.


 - عدم الاعتراض على شيخه في طريقة تربية مريديه، لأنه مجتهد في هذا الباب عنعلم واختصاص وخبرة، كما لا ينبغي أن يفتح المريد على نفسه باب النقد لكل تصرف منتصرفات شيخه ؛ فهذا من شأنه أن يُضْعِفَ ثقته به ويَحجُبَ عنه خيراً كثيراً،ويَقطعَ الصلة القلبية والمدد الروحي بينه وبين شيخه.


قال العلامة ابن حجرالهيثمي: (ومَنْ فتح باب الاعتراض على المشايخ والنظر في أحوالهم وأفعالهم والبحثعنها فإن ذلك علامة حرمانه وسوء عاقبته، وأنه لا يَنْتُج قط، ومن ثَمَّ قالوا: [ منقال لشيخه لِم؟ لَمْ يفلح أبداً ] [المقصود بهذا الأدب هو مريد التربية والكمالوالوصول إلى الله تعالى، أما التلميذ الذي يأخذ علمه عن العلماء فينبغي لهمناقشتهم وسؤالهم حتى تتحقق له الفائدة العلمية] أي لشيخه في السلوك والتربية)[الفتاوىالحديثية" ص55. للمحدث ابن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة 974هـ].

وإذا أورد الشيطانعلى قلب المريد إشكالاً شرعياً حول تصرفٍ من تصرفات شيخه بغية قطع الصلة ونزعالثقة فما على المريد إلا أن يُحسِنَ الظن بشيخه ويلتمسَ له تأويلاً شرعياًومخرجاً فقهياً، فإن لم يستطع ذلك فعليه أن يسأل شيخه مستفسراً بأدب واحترام، كماسيأتي في بحث مذاكرة المريد لمرشده.

قال العلامة ابن حجرالهيثمي: (ومن فتح باب التأويل للمشايخ، وغض عن أحوالهم، ووكل أمورهم إلى اللهتعالى، واعتنى بحال نفسه وجاهدها بحسَب طاقته، فإنه يُرجى له الوصول إلى مقاصده،والظفر بمراده في أسرع زمن) ["الفتاوى الحديثية" ص55].

 - أن لا يعتقد في شيخه العصمة، فإن الشيخ وإن كان على أكمل الحالات فليسبمعصوم، إذ قد تصدر منه الهفوات والزلات، ولكنه لا يصر عليها ولا تتعلق همته أبداًبغير الله تعالى، لأنه إذا اعتقد المريد في شيخه العصمة، ثم رأى منه ما يخالف ذلك،وقع في الاعتراض والاضطراب مما يسبب له القطيعة والحرمان.


ولكن لا ينبغيللمريد حين يعتقد في شيخه عدم العصمة أن يضع بين عينيه دائماً احتمال خطأ شيخه فيكل أمر من أوامره أو توجيه من توجيهاته، لأنه بذلك يمنع عن نفسه الاستفادة، كمثلالمريض الذي يدخل إلى طبيبه وليس في قلبه إلا فكرة احتمال خطأ الطبيب في معالجتهفهذا من شأنه أن يُضعف الثقة ويُحدثَ الشكَّ والاضطراب في نفسه.

 - أن يعتقد كمال شيخه وتمام أهليته للتربية والإرشاد، وإنما كَوَّن هذاالاعتقاد بعد أن فتش ودقَّقَ بادىء أمره ؛ فوجد شروط الوارث المحمدي التي سبقذكرها قد تحققت في شيخه، ووجد أن الذين يصحبونه يتقدمون في إيمانهم وعباداتهموعلمهم وأخلاقهم ومعارفهم الإلهية [لا ينبغي للمرء أن يكون عاطفياً تغره المظاهر ؛فيقع في صحبة أدعياء التصوف دون أن يكون له ميزان شرعي صحيح وتفكير عقلي سليم، إذليس كل من ادعى التصوف صار صوفياً ومربياً ؛ ولو تزيا بزي المرشدين. كما أنه ليسكل من لبس ثوب الأطباء في المستشفى صار طبيباً لأن هذه الثياب يلبسها الممرضونوالآذنون وغيرهم].


 - اتصافه بالصدق والإخلاص في صحبته لشيخه، فيكون جاداً في طلبه، منزهاً عنالأغراض والمصالح.


 - تعظيمه وحفظ حرمته حاضراً وغائباً. قال إبراهيم بن شيبان القرميسيني: (منترك حرمة المشايخ ابتلي بالدعاوي الكاذبة وافتضح بها) ["طبقات الصوفية" ص405].


وقال محمد بن حامدالترمذي رضي الله عنه: (إذا أوصلك الله إلى مقام ومنعك حرمة أهله والالتذاذ بماأوصلك إليه، فاعلم أنك مغرور مستدرَج).

وقال أيضاً:

(من لم تُرضِهِ أوامر المشايخ وتأديبُهم فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة)["طبقات الصوفية" ص283].


وقال أبو العباسالمرسي:

(تَتَبَّعْنا أحوال القوم فما رأينا أحداً أنكر عليهم ومات بخير)["مدارجالسلوك إلى ملك الملوك" ص12. للشيخ أبو بكر بن محمد بناني الشاذلي المتوفىسنة 1284هـ].


وقال الشيخ عبدالقادر الجيلاني:

(من وقع في عِرض وليٌّ ابتلاه الله بموت القلب) ["مدارج السلوك إلى ملكالملوك" ص12. للشيخ أبو بكر بن محمد بناني الشاذلي المتوفى سنة 1284هـ].


7 - أن يحب شيخه محبة فائقة شريطة أن لا ينقص من قدر بقية الشيوخ، وأن لا يصلغلوه في المحبة إلى حدٌّ فاسد ؛ بأن يُخرج شيخه عن طور البشرية، وإنما تقوى محبةالمريد لشيخه بموافقته له أمراً ونهياً، ومعرفتِهِ لله تعالى في سيره وسلوكه،فالمريد كلما كبرت شخصيته بالموافقة ازدادت معرفته، وكلما ازدادت معرفته ازدادتمحبته.


8 - عدم تطلعه إلى غير شيخه لئلا يتشتت قلبه بين شيخين، ومثال المريد في ذلككمثل المريض الذي يطبب جسمه عند طبيبين في وقت واحد فيقع في الحيرة والتردد [ينبغيالملاحظة أن المقصود بالشيخ هنا هو شيخ التربية لا شيخ التعليم ؛ إذ يمكن لطالبالعلم أن يكون له عدة أساتذة، ويمكن للمريد أن يكون له أساتذة في العلم لأنارتباطه بهم ارتباط علمي، بينما صلة المريد بشيخ التربية صلة قلبية وتربوية].



وأما الآداب الظاهرةفهي:

- أن يوافق شيخه أمراً ونهياً، كموافقة المريض لطبيبه.


 - أن يلتزم السكينة والوقار في مجلسه، فلا يتكىء على شيء يعتمده، ولا يتثاءبولا ينام، ولا يضحك بلا سبب، ولا يرفع صوته عليه، ولا يتكلم حتى يستأذنه لأن ذلكمن عدم المبالاة بالشيخ وعدم الاحترام له. ومن صحب المشايخ بغير أدب واحترام حرممددهم وثمرات ألحاظهم وبركاتهم.


 - المبادرة إلى خدمته بقدر الإمكان، فمن خَدَم خُدِم.


 - دوام حضور مجالسه، فإن كان في بلد بعيد فعليه أن يكرر زيارته بقدرالمستطاع، ولذلك قيل: (زيارة المربي ترقي وتربي).


وإن السادة الصوفيةبنوا سيرهم على ثلاثة أصول "الاجتماع والاستماع والاتباع" وبذلك يحصلالانتفاع.

 - الصبر على مواقفه التربوية كجفوته وإعراضه... الخ، التي يقصد بها تخليصالمريد من رعوناته النفسية وأمراضه القلبية.


قال ابن حجر الهيثمي:(كثير من النفوس التي يراد لها عدم التوفيق إذا رأت من أستاذ شدة في التربية تنفرعنه، وترميه بالقبائح والنقائص مما هو عنه بريء. فليحذر الموفق من ذلك، لأن النفسلا تريد إلا هلاك صاحبها، فلا يطعها في الإعراض عن شيخه) ["الفتاوى الحديثية"ص55].

- أن لا ينقل من كلام الشيخ إلى الناس إلا بقدر أفهامهم وعقولهم لئلا يسيءإلى نفسه وشيخه، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبونأن يُكذَّبَ الله ورسولُهُ؟) [أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب العلم].


وهذه الآداب كلهاإنما تُطلب من المريد الحقيقي الذي يريد الوصول للحضرة الإلهية، وأما المريدالمجازي فهو الذي ليس قصده من الدخول مع الصوفية إلا التزيي بزيهم، والانتظام فيسلك عقدهم، وهذا لا يُلزَم بشروط الصحبة ولا بآدابها. ومثل هذا له أن ينتقل إلىطريق أخرى ولا حرج عليه، كما أن طريق التبرك لا حرج في الانتقال منها إلى غيرهاكما هو معروف عند المربين المرشدين.


 - آداب المريد مع إخوانه:


 - حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين، فلا يغتاب أحداً منهم، ولا ينقص أحداً، لأنلحومهم مسمومة كلحوم العلماء والصالحين.


 - نصيحتهم بتعليم جاهلهم وإرشاد ضالهم، وتقوية ضعيفهم.


وللنصيحة شروط ينبغيالتزامها، وهي ثلاثة للناصح، وثلاثة للمنصوح.

فشروط الناصح:

 - أن تكون النصيحة سراً.


 - أن تكون بلطف.


 - أن تكون بلا استعلاء.


وشروط المنصوح:

 - أن يقبل النصيحة.


 - أن يشكر الناصح.


 - أن يطبق النصيحة.

 - التواضع لهم والإنصاف معهم وخدمتهم بقدر الإمكان إذ "سيد القوم خادمهم"[أخرجه ابن ماجه والترمذي عن أبي قتادة رضي الله عنه، كما في "فيض القدير""شرح الجامع الصغير" للمناوي ج4/ص122].


 - حسن الظن بهم وعدم الانشغال بعيوبهم ووَكْلُ أمورهم إلى الله تعالى:


ولا تر العيب إلافيك معتقداً عيباً بدا بيِّناً لكنه استترا

 - قبول عذرهم إذا اعتذروا.


 - إصلاح ذات بينهم إذا اختلفوا واختصموا.


 - الدفاع عنهم إذا أُوذوا أو انتُهكِتْ حرماتهم.


 - أن لا يطلب الرئاسة والتقدم عليهم لأن طالب الولاية لا يُوَلَّى.



فهذه جملة من الآدابالتي يجب على السالك مراعاتها والمحافظة عليها فإن الطريق كلها آداب، حتى قالبعضهم: (اجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً).

وقال أبو حفصالنيسابوري رضي الله عنه: (التصوف كله آداب، لكل وقت آداب، ولكل حال آداب، ولكلمقام آداب، فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حُرم الأدب فهو بعيد من حيث يظنالقرب، مردود من حيث يظن القبول) ["طبقات الصوفية" للسلمي ص119].

وبالجملة فأدبالمريد لا نهاية له مع شيخه ولا مع إخوانه ولا مع عامة الوجود، وقد أفرده المربونبالتآليف، وألف فيه ابن عربي الحاتمي، والشعراني، وأحمد زروق، وابن عجيبة، 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المبسوط كتاب في الفقه على المذهب الحنفي

  والمبسوط كتاب في الفقه على المذهب الحنفي ، استوعب فيه المؤلف جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل ، وعبارة واضحة ، وبسط في الأحكام والأدلة والمناقشة ، مع المقارنة مع بقية المذاهب ، وخاصة المذهب الشافعي والإمام مالك ، وقد يذكر مذهب الإمام أحمد والظاهرية . وطريقة المبسوط أن يذكر المؤلف المسألة الفقهية ، ويبين حكمها على المذهب الحنفي ، ثم يستدل لها ، ثم يذكر آراء بعض المذاهب المخالفة ، ويشرح أدلتها ، ثم يناقش الأدلة ، ويرد عليها بما يراه الحق ، وقد يجمع بين أدلة الحنفية وأدلة المذاهب الأخرى المخالفين لهم جمعا حسنا ، يبعد التعارض . وهذا الكتاب شرح لكتاب " الكافي " للحاكم الشهيد محمد بن محمد المروزي ( 334هـ ) إمام الحنفية في وقته ، وقد جمع في " الكافي " كتب ظاهر الرواية للإمام محمد بن الحسن في فروع المذهب الحنفي . والمبسوط كتاب قيم ومفيد ، وهو أوسع الكتب المطبوعة في الفقه الحنفي ، والفقه المقارن ، ويعتمد عليه الحنفية في القضاء والفتوى ، وفي التدريس والتصنيف . وكان السرخسي قد ألفه كله أو جله إملاء من ذاكرته ، وهو سجين في بئر في أوزجند بفرغانه ، وقال في مقدمته : " فرأيت ال

اكواد اسلامية html

اكواد اسلامية html اقدم لكم اخوتى فى الله أكوادا اسلامية مهمة جدا لمدونتك تجعلها جذابة        جعل الله ذلك فى ميزان حسناتك ********** طريقة وضع الكود فى مدونات قوقل (بلوجز) من اعلى الصفحة اضغط تصميم أختر اضافة أداة ثم أختر HTML/javascript ضع الكود فى المحتوى ثم اضغط على حفظ ***************    كود اناشيد اسلامية انسخ الكود التالي <center><iframe align="center" id="IW_frame_1438" src=" http://www.tvanashed.com/add/index.htm " frameborder="0" allowtransparency="1" scrolling="no" width="302" height="334"></iframe></center> كود القران الكريم <div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on"> <span class="Apple-style-span" style="color: #887766; font-family: Arial, sans-serif; font-size: small;"><span class="Apple-style-span" style="font-size: 12px;"><span class="Apple-style-span" style