التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بيان حد الشكر وحقيقته


بيان حد الشكر وحقيقته


بيان حد الشكر وحقيقته
اعلم ان الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ايضا ينتظم من علم وحال وعمل فالعلم هو الاصل فيورث الحال والحال يورث العمل فأما العلم فهو معرفة النعمة من المنعم والحال هو الفرح الحاصل بانعامه والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه ويتعلق ذلك العمل بالقلب وبالجوارح وباللسان ولا بد من بيان جميع ذلك ليحصل بمجموعة الاحاطة بحقيقة الشكر فان كل ما قيل في حد الشكر قاصر عن الاحاطة بكمال معانيه فالأصل الاول العلم وهو علم بثلاثة امور بعين النعمة ووجه كونها نعمة في حقه وبذات المنعم ووجود صفاته التي بها يتم الانعام ويصدر الانعام منه عليه فانه لا بد من نعمة ومنعم ومنعم عليه تصل اليه النعمة من المنعم بقصد وارادة فهذه الامور لا بد من معرفتها هذا في حق غير الله تعالى فأما في حق الله تعالى فلا يتم الا بان يعرف ان النعم كلها من الله وهو المنعم والوسائط مسخرون من جهته وهذه المعرفة وراء التوحيد والتقديس اذ دخل التقديس والتوحيد فيها بل الرتبة الاولى في معارف الايمان التقديس ثم اذا عرف ذاتا مقدسة فيعرف انه لا مقدس الا واحد وما عداه غير مقدس وهو التوحيد ثم يعلم ان كل ما في العالم فهو موجود من ذلك الواحد فقط فالكل نعمة منه فتقع هذه المعرفة في الرتبة الثالثة اذ ينطوي فيها مع التقديس والتوحيد كمال القدرة والانفراد بالفعل وعن هذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال من قال سبحان الله فله عشر حسنات ومن قال لا اله الا الله فله عشرون حسنة ومن قال الحمد لله فله ثلاثون حسنة حديث من قال سبحان الله فله عشر حسنات الحديث تقدم في الدعوات وقال صلى الله عليه وسلم افضل الذكر لا اله الا الله وافضل الدعاء الحمد لله حديث افضل الذكر لا اله الا الله وافضل الوعاء الحمد لله احرجه الترمذي وحسنه والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجه وابن حبان من حديث جابر وقال ليس شيء من الأذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله حديث ليس شيء من الاذكار يضاعف ما يضاعف الحمد لله لم اجده مرفوعا وانما رواه ابن ابي الدنيا في كتاب الشكر عن ابراهيم النخعي يقال إن الحمد اكثر الكلام تضعيفا ولاتظنن ان هذه الحسنات بازاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب فسبحان الله كلمة تدل على التقديس ولا اله الا الله كلمة تدل على التوحيد والحمد لله كلمة تدل على النعمة من الواحد الحق فالحسنات بإزاء هذه المعارف التي هي من ابواب الايمان واليقين واعلم ان تمام هذه المعرفة بنفي الشرك في الأفعال فمن أنعم عليه ملك من الملوك بشيء فإن رأي لوزيره أو وكيله دخلا في تيسير ذلك وايصاله اليه فهو اشراك به في النعمة فلا يرى النعمة من الملك من كل وجه بل منه بوجه ومن غيره بوجه فيتوزع فرحة عليهما فلا يكون موحدا في حق الملك نعم لا يغض من توحيده في حق الملك وكمال شكره ان يرى النعمة الواصلة اليه بتوقيعه الذي كتبه بقلمه وبالكاغد الذي كتبه عليه فانه لا يفرح بالقلم والكاغد ولا يشكرهما لانه لا يثبت لهما دخلا من حيث هما موجودان بأنفسهما بل من حيث هما مسخران تحت قدرة الملك وقد يعلم ان الوكيل الموصل والخازن ايضا مضطران من جهة الملك في الايصال وانه لو رد الأمر اليه ولم يكن من جهة الملك ارهاق وامر جزم يخاف عاقبته لما سلم اليه شيئا فاذا عرف ذلك كان نظره الى الخازن الموصل كنظرة الى القلم والكاغد فلا يورث ذلك شركا في توحيده من اضافة النعمة اليه إلى الملك وكذلك من الكاتب وان الحيوانات التي لها اختيار مسخرات في نفس اختيارها فان الله تعالى هو المسلط للدواعي عليها لتفعل شاءت ام ابت كالخازن المضطر الذي لا يجد سبيلا الى مخالفة الملك ولو خلى ونفسه لما اعطاك ذروة مما في يده فكل من وصل اليك نعمة من الله تعالى على يده فهو مضطر اذ سلط الله عليه الارادة وهيج عليه الدواعي والقى في نفسه ان خيره في الدنيا والآخرة ان يعطيك ما اعطاك وان غرضه المقصود عنده في الحال والمال لا يحصل الا به وبعد ان خلق الله له هذا الاعتقاد لا يجد سبيل الى تركه فهو اذن إنما يعطيك لغرض نفسه لا لغرضك ولو لم يكن غرضه في العطاء لما اعطاك ولو لم يعلم ان منفعته في منفعتك لما نفعك فهو اذن انما يطلب نفع نفسه بنفعك فليس منعما عليك بل اتخذك وسبيله الى نعمة اخرى وهو يرجوها وانما الذي انعم عليك هو الذي سخره لك وألقى في قلبه من الاعتقادات والارادات ما صار به مضطرا الى الايصال اليك فان عرفت الأمور كذلك فقد عرفت الله تعالى وعرفت فعله وكنت موحدا وقدرت على شكره بل كنت بهذه المعرفة بمجردها شاكرا ولذلك قال موسى عليه السلام في مناجاته إلهي خلقت آدم بيدك وفعلت وفعلت فكيف شكرك فقال الله عز وجل علم ان كل ذلك مني فكانت معرفته شكرا فإذن لا تشكر إلا بأن تعرف ان الكل منه فان خالجك ريب في هذا لم تكن عارفا لا بالنعمة ولا بالمنعم فلا تفرح بالمنعم وحده بل وبغيره فبنقصان معرفتك ينقص حالك في الفرح وبنقصان فرحك ينقص عملك فهذا بيان هذا الأصل الاصل الثاني الحال المستمدة من اصل المعرفة وهو الفرح بالمنعم مع هيئة الخضوع والتواضعوهو ايضا في نفسه شكر على تجرده كما ان المعرفة شكر ولكن انما يكون شكرا اذا كان حاويا شرطه وشرطه ان يكون فرحك بالمنعم لا بالنعمة ولا بالانعام ولعل هذا يتعذر عليك فهمه فنضرب لك مثلا فنقول الملك الذي يريد الخروج الى سفره فأنعم بفرس على انسانيتصور ان يفرح المنعم عليه بالفرس من ثلاثة أوجه احدها ان يفرح بالفرس من حيث انه فرس وإنه مال ينتفع به ومركوب يوافق غرضه وإنه جواد نفيس وهذ فرح من لاحظ له في الملك بل غرضه الفرس فقط ولو وجده في صحراء فأخذه لكان فرحه مثل ذلك الفرح الوجه الثاني ان يفرح به لا من حيث انه فرس بل من حيث تستدل به على عناية الملك به وشفقته عليه واهتمامه بجانبه لو وجد هذا الفرس في صحراء او اعطاه غير الملك لكان لا يفرح به أصلا لاستغنائه عن الفرس اصلا او استحقاره له بالاضافة الى مطلوبه من نيل المحل في قلب الملك الوجه الثالث ان يفرح به ليركبه ليخرج في خدمة الملك ويتحمل مشقة السفر لينال بخدمته القرب منه وربما يرتقي الى درجة الوزارة من حيث انه ليس يقنع بأن يكون محله في قلب الملك ان يعطيه فرسا ويعتني به هذا القدر من العناية بل هو طالب لان لا ينعم الملك بشيء من ماله على احد الا بواسطته ثم انه ليس يريد من الوزارة الوزارة بل يريد مشاهدة الملك والقرب منه حتى لو خير بين القرب منه دون الوزارة وبين الوزارة دون القرب لاختار القرب فهذه ثلاث درجات فالأولى لا يدخل فيها معنى الشكر أصلا لأن نظر صاحبها مقصور على الفرس ففرحه بالفرس لا بالمعطي وهذا حال كل من فرح بنعمة من حيث إنها لذيذة وموافقة لغرضه فهو بعيد عن معنى الشكر والثانية داخله في معنى الشكر من حيث انه فرح بالمنعم ولكن لا من حيث ذاته بل من حيث معرفة عنايته التي تستحثه على الانعام في المستقبل وهذا حال الصالحين الذين يعبدون الله ويشكرونه خوفا من عقابه ورجاء لثوابه وإنما الشكر التام في الفرح الثالث وهو ان يكون فرح العبد بنعمة الله تعالى من حيث انه يقدر بها على التوصل الى القرب منه تعالى والنزول في جواره والنظر الى وجهه على الدوام فهذا هو الرتبة العليا وأمارته ان لايفرح من الدنيا الا بما هو مزرعة للآخرة ويعينه عليها ويحزن بكل نعمة تلهيه عن ذكر الله تعالى وتصده عن سبيله لانه ليس يريد النعمة لأنها لذيذه كما يريد صاحب الفرس لانه جواد ومهملج بل من حيث انه يحمله في صحبة الملك حتى تدوم مشاهدته له وقربه منه ولذلك قال الشبلى رحمة الله الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة وقال الخواص رحمه الله شكر العامة على المطعم والملبس والمشرب وشكر الخاصة على واردات القلوب وهذه رتبة لا يدركها كل من انحصرت عنده اللذات في البطن والفرج ومدركات الحواس من الألوان والأصوات وخلا عن لذة القلب فان القلب لا يلتذ في حال الصحة الا بذكر الله تعالى ومعرفته ولقائه وانما يلتذ بغيره اذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما يستبشع بعض المرضى الاشياء الحلوة ويستحلي الأشياء المرة كما قيل ومن يك ذا فم مر مريض جد مرا به الماء الزلالا فاذن هذا شرط الفرح بنعمة الله تعالى فان لم تكن ابل فمعزى فان لم يكن هذا فالدرجة الثانية اما الأولى فخارجة عن كل حساب فكم من فرق بين من يريد الملك للفرس ومن يريد الفرس للملك وكم من فرق بين من يريد الله لينعم عليه وبين من يريد نعم الله ليصل بها إليه الاصل الثالث العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم وهذا العمل يتعلق بالقلب وباللسان وبالجوارح اما بالقلب فقصد الخير واضماره لكافة الخلق واما باللسان فإظهار الشكر لله تعالى بالتحميدات الدالة عليه واما بالجوارح فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقى من الاستعانة بها على معصيته حتى إن شكر العينين ان تستر كل عيب تراه لمسلم وشكر الاذنين ان تستر كل عيب تسمعه فيه فيدخل هذا في جملة شكر نعم الله تعالى بهذه الاعضاء والشكر باللسان لاظهار الرضا عن الله تعالى وهو مامور به فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت قال بخير فأعاد صلى الله عليه وسلم وسلم السؤال حتى قال في الثالثة بخير احمد الله واشكره فقال صلى الله عليه وسلم وسلم هذا الذي أردت منك حديث قال صلى الله عليه وسلم لرجل كيف اصبحت فقال بخير فأعاد السؤال حتى قال في الثالثة بخير احمد الله واشكره فقال هذا الذي اردت منك اخرجه الطبراني في الدعاء من رواية الفضيل بن عمرو مرفوعا نحوه قال في الثالثة احمد الله وهذا معضل ورواه في المعجم الكبير من حديث عبدالله بن عمرو ليس فيه تكرار السؤال وقال احمد الله اليك وفيه راشد بن سعد ضعفه الجمهور لسوء حفظه ورواه مالك في الموطأ موقوفا على عمر بإسناد صحيح وكان السلف يتساءلون ونيتهم استخراج الشكر لله تعالى ليكون الشاكر مطيعا والمستنطق له به مطيعا وما كان قصدهم الرياء بإظهار الشوق وكل عبد سئل عن حال فهو بين ان يشكر او يشكو يسكت فالشكر طاعة والشكوى معصية قبيحة من اهل الدين وكيف لا تقبح الشكوى من ملك الملوك وبيده كل شيء الى عبد مملوك لا يقدر على شيء 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكواد اسلامية html

اكواد اسلامية html اقدم لكم اخوتى فى الله أكوادا اسلامية مهمة جدا لمدونتك تجعلها جذابة        جعل الله ذلك فى ميزان حسناتك ********** طريقة وضع الكود فى مدونات قوقل (بلوجز) من اعلى الصفحة اضغط تصميم أختر اضافة أداة ثم أختر HTML/javascript ضع الكود فى المحتوى ثم اضغط على حفظ ***************    كود اناشيد اسلامية انسخ الكود التالي <center><iframe align="center" id="IW_frame_1438" src=" http://www.tvanashed.com/add/index.htm " frameborder="0" allowtransparency="1" scrolling="no" width="302" height="334"></iframe></center> كود القران الكريم <div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on"> <span class="Apple-style-span" style="color: #887766; font-family: Arial, sans-serif; font-size: small;"><span class="Apple-style-span" style="font-size: 12px;"><span class="Apple-style-span" style...

المبسوط كتاب في الفقه على المذهب الحنفي

  والمبسوط كتاب في الفقه على المذهب الحنفي ، استوعب فيه المؤلف جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل ، وعبارة واضحة ، وبسط في الأحكام والأدلة والمناقشة ، مع المقارنة مع بقية المذاهب ، وخاصة المذهب الشافعي والإمام مالك ، وقد يذكر مذهب الإمام أحمد والظاهرية . وطريقة المبسوط أن يذكر المؤلف المسألة الفقهية ، ويبين حكمها على المذهب الحنفي ، ثم يستدل لها ، ثم يذكر آراء بعض المذاهب المخالفة ، ويشرح أدلتها ، ثم يناقش الأدلة ، ويرد عليها بما يراه الحق ، وقد يجمع بين أدلة الحنفية وأدلة المذاهب الأخرى المخالفين لهم جمعا حسنا ، يبعد التعارض . وهذا الكتاب شرح لكتاب " الكافي " للحاكم الشهيد محمد بن محمد المروزي ( 334هـ ) إمام الحنفية في وقته ، وقد جمع في " الكافي " كتب ظاهر الرواية للإمام محمد بن الحسن في فروع المذهب الحنفي . والمبسوط كتاب قيم ومفيد ، وهو أوسع الكتب المطبوعة في الفقه الحنفي ، والفقه المقارن ، ويعتمد عليه الحنفية في القضاء والفتوى ، وفي التدريس والتصنيف . وكان السرخسي قد ألفه كله أو جله إملاء من ذاكرته ، وهو سجين في بئر في أوزجند بفرغانه ، وقال في مقدمته : " فرأيت ال...