قال الله تعالى هماز مشاء بنميم ثم قال عتل بعد ذلك زنيم قالعبد الله بن المبارك الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث وأشار به إلى أن كل منلم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على أنه ولد زنا استنباطا من قوله عز وجل عتل بعدذلك زنيم والزنيم هو الدعي وقال تعالى ويل لكل همزة لمزه قيل الهمزة النمام وقالتعالى حمالة الحطب قيل إنها كانت نمامة حمالة للحديث وقال تعالى فخانتاهما فلميغنيا عنهما من الله شيئا قيل كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان وامرأة نوح تخبر أنهمجنون وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام وفي حديث آخر لا يدخل الجنة قتات والقتاتهو النمام وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبكم إلى اللهأحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى اللهالمشاءون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبرءاء العثرات وقال صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قالالمشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرءاء العيب وقال أبو ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشاع على مسلمكلمة ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار يوم القيامة وروي كعب الأحبار أن بنيإسرائيل أصابهم قحط فاستسقى موسى عليه السلام مرات فما سقوا فأوحى الله تعالى إليهإني لا أستجيب لك ولمن معك وفيكم نمام قد أصر على النميمة فقال موسى يارب من هودلني عليه حتى أخرجه من بيننا قال يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نماما فتابواجميعا فسقوا ويقال اتبع رجل حكيما سبعمائة فرسخ في سبع كلمات فلما قدم عليه قالإني جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم أخبرني عن السماء وما أثقل منها وعن الأرضوما أوسع منها وعن الصخر وما أقسى منه وعن النار وما أحر منها وعن الزمهرير وماأبرد منه وعن البحر وما أغنى منه وعن اليتيم وما أذل منه فقال له الحكيم البهتانعلى البريء أثقل من السموات والحق أوسع من الأرض والقلب القانع أغنى من البحر والحرصوالحسد أحر من النار والحاجة إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير وقلب الكافرأقسى من الحجر والنمام إذا بان أمره أذل من اليتيم.
بيان حد النميمة وما يجب في ردها
اعلم أن اسمالنميمة إنما يطلق في الأكثر على من ينم قول الغير إلى المقول فيه كما تقول فلانكان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كرههالمنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ثالث وسواء كان الكشف بالقول أبو بالكتابة أوبالرمز أو بالإيماء وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال وسواء كان ذلكعيبا ونقصا في المنقول عنه أو لم يكن بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عمايكره كشفه بل كان ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلاما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية كما إذا رأى من يتناول مال غيره فعليه أنيشهد به مراعاة لحق المشهود له فأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه فذكره فهو نميمةوإفشاء للسر فإن كان ما ينم به نقصا وعيبا في المحكي عنه كان قد جمع بين الغيبةوالنميمة فالباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي لهأو التفرج بالحديث والخوض في الفضول والباطل وكل من حملت إليه النميمة وقيل له إنفلانا قال فيك كذا وكذا أو فعل في حقك كذا أو هو يدبر في إفساد أمرك أو في ممالاةعدوك أو تقبيح حالك أو ما يجري مجراه فعليه ستة أمور الأول أن لا يصدقه لأن النمامفاسق وهو مردود الشهادة قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينواأن تصيبوا قوما بجهالة الثاني أن ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله قال اللهتعالى وأمر بالمعروف وانه عن المنكر الثالث أن يبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عندالله تعالى ويجب بغض من يبغضه الله تعالى الرابع أن لا تظن بأخيك الغائب السوءلقول الله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم الخامس أن لا يحملك ما حكىلك على التجسس والبحث لتحقق اتباعا لقول الله تعالى ولا تجسسوا السادس أن لا ترضىلنفسك ما نهيت النمام عنه ولا تحكي نميمته فتقول فلان قد حكى لي كذا وكذا فتكون بهنماما ومغتابا وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضيالله عنه أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا فقال له عمر إن شئت نظر نافي أمركفإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا وإن كنت صادقافأنت من أهل هذه الآية هماز مشاء بنميم وإن شئت عفونا عنك فقال العفو يا أميرالمؤمنين لا أعود إليه أبدا وذكر أن حكيما من الحكماء زاره بعض إخوانه فأخبره بخبرعن بعض أصدقائه فقال له الحكيم قد أبطأت في الزيارة وأتيت بثلاث جنايات بغضت أخيإلي وشغلت قلبي الفارغ واتهمت نفسك الأمينة وروي أن سليمان بن عبد الملك كان جالساوعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان بلغني أنك وقعت في وقلت كذا وكذا فقالالرجل ما فعلت ولا قلت فقال سليمان إن الذي أخبرني صادق فقال له الزهري لا يكونالنمام صادقا فقال سليمان صدقت ثم قال للرجل اذهب بسلام وقال الحسن من نم إليك نمعليك وهذا إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته وكيف لايبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق والإفسادبين الناس والخديعة وهو ممن يسعون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرضوقال تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق والنماممنهم وقال صلى الله عليه وسلم إن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره حديث إن من شرالناس اتقاه الناس لشره متفق عليه من حديث عائشة نحوه والنمام منهم وقال لا يدخلالجنة قاطع قيل وما القاطع قال قاطع بين الناس حديث لا يدخل الجنة قاطع متفق عليهمن حديث جبير بن مطعم وهو النمام وقيل قاطع الرحم وروي عن علي رضي الله عنه أنرجلا سعى إليه برجل فقال له يا هذا نحن نسأل عما قلت فإن كنت صادقا مقتناك وإن كنتكاذبا عاقبناك وإن شئت أن نقيلك أقلناك فقال أقلني يا أمير المؤمنين وقيل لمحمد بنكعب القرظي أي خصال المؤمن أوضع له فقال كثرة الكلام وإفشاء السر وقبول قول كل أحدوقال رجل لعبد الله ابن عامر وكان أميرا بلغني أن فلانا أعلم الأمير أني ذكرتهبسوء قال قد كان ذلك قال فأخبرني بما قال لك حتى أظهر كذبه عندك قال ما أحب أنأشتم نفسي بلساني وحسبي أني لم أصدقه فيما قال ولا أقطع عنك الوصال وذكرت السعايةعند بعض الصالحين فقال ما ظنكم بقوم يحمد الصدق من كل طائفة من الناس إلا منهم وقالمصعب بن الزبير نحن نرى أن قبول السعاية شر من السعاية لأن السعاية دلالة والقبول إجازةوليس من دل على شيء فأخبر به كمن قبله وأجازه فاتقوا الساعي فلو كان صادقا في قولهلكان لئيما في صدقه حيث لم يحفظ الحرمة ولم يستر العورة والسعاية هي النميمة إلاإنها إذا كانت إلى من يخاف جانبه سميت سعاية وقد قال صلى الله عليه وسلم الساعي بالناسإلى الناس لغير رشدة حديث الساعي بالناس إلى الناس لغير رشدة أخرجه الحاكم من حديثأبي موسى من سعى بالناس فهو لغير رشدة أو فيه شيء منها وقال له أسانيد هذا أمثلها قلتفيه سهل بن عطية قال فيه ابن طاهر في التذكرة منكر الرواية قال والحديث لا أصل له وقدذكر ابن حبان في الثقات سهل بن عطية ورواه الطبراني بلفظ لا يسعى على الناس إلاولد بغى وإلا من فيه عرق منه وزاد بين سهل وبين بلال بن أبي بردة أبا الوليدالقرشي يعني ليس بولد حلال
ودخل رجل على سليمان بن عبد الملك فاستأذنه في الكلاموقال إني مكلمك يا أمير المؤمنين بكلام فاحتمله إن كرهته فإن وراءه ما تحب إنقبلته فقال قل فقال يا أمير المؤمنين إنه قد اكتنفك رجال ابتاعوا دنياك بدينهمورضاك بسخط ربهم خافوك في الله ولم يخافوا الله فيك فلا تأمنهم على ما ائتمنك اللهعليه ولا تصخ إليهم فيما استحفظك الله إياه فإنهم لن يألوا في الأمة خسفا وفيالأمانة تضييعا والأعراض قطعا وانتهاكا أعلى قربهم البغي والنميمة وأجل وسائلهمالغيبة والوقيعة وأنت مسئول عما أجرموا وليسوا المسئولين عما أجرمت فلا تصلحدنياهم بفساد آخرتك فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره وسعى رجل بزيادالأعجم إلى سليمان بن عبد الملك فجمع بينهما للموافقة فأقبل زياد على الرجل وقالفأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا فخنت وإما قلت قولا بلا علم فأنت من الأمر الذي كانبيننا بمنزلة بين الخيانة والإثم وقال رجل لعمرو بن عبيد إن الأسواري ما يزاليذكرك في قصصه بشر فقال له عمرو يا هذا ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إليناحديثه ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه أن الموت يعمنا والقبريضمنا والقيامة تجمعنا والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين ورفع بعض السعاةإلى الصاحب بن عباد رقعة نبه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته فوقع علىظهرها السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أفضلمن الربح ومعاذ الله أن نقبل مهتوكا في مستور ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلناكبما يقتضيه فعلك في مثلك فتوق يا ملعون العيب فإن الله أعلم بالغيب الميت رحمهالله واليتيم جبره الله والمال ثمره الله والساعي لعنه الله وقال لقمان لابنه يابني أوصيك بخلال إن تمسكت بهن لم تزل سيدا أبسط خلقك للقريب والبعيد وأمسك جهلك عنالكريم واللئيم واحفظ إخوانك وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريدفسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك وقالبعضهم النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق وهي أثافي الذل وقال بعضهم لو صح مانقله النمام إليك لكان هو المجتريء بالشتم عليك والمنقول عنه أولى بحلمك لأنه لميقابلك بشتمك وعلى الجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى قال حماد بن سلمة باعرجل عبدا وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت فاشتراه فمكث الغلام أياماثم قال لزوجة مولاه إن سيدي لا يحبك وهو يريد إن يتسرى عليك فخذي الموسى واحلقي منشعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك ثم قال للزوج إن امرأتك اتخذتخليلا وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ذلك فتناوم لها فجاءت المرأة بالموسىفظن أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج ووقع القتالبين القبيلتين فنسأل الله حسن التوفيق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
>حديث لا يدخل الجنة نمام وفي حديث آخر قتات متفق عليه من حديث حذيفة وقد تقدم
>حديث أبي هريرة وأحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير وتقدم في آداب الصحبة
>حديث ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى قال المشاءون بالنميمة الحديث أخرجه أحمد من حديث أبي مالك الأشعري وقد تقدم
تعليقات
إرسال تعليق