التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في تفضيله بالمحبة و الخلة


جاءت بذلك الأثار الصحيحة ، و اختص على ألسنة المسلمين بحبيب الله ، أخبرنا أبو القاسم بن إبراهيم الخطيب و غيره ، عن كريمة بنت أحمد ، حدثنا أبو الهيثم ، و حدثنا حسين بن محمد الحافظ سماعاً عليه ، حدثنا القاضي أبو الوليد ، حدثنا عبد بن أحمد ، حدثنا أبو الهيثم ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد بن محمد ، حدثنا أبو عامر ، حدثنا فليح ، حدثنا أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال : لو كنت متخذا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر . 
و في حديث آخر و إن صاحبكم خليل الله .
و من طريق عبد الله بن مسعود : و قد اتخذ الله صاحبكم خليلاً .
و عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينتظرونه ، قال : فخرج و عن ابن عباس ، قال : جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ينتظرونه ، قال : فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون ، فسمع حديثهم ، فقال بعضهم : عجباً ! إن الله اتخذ من خلقه خليلاً ، اتخذ إبراهيم خليلاً .
و قال آخر : ماذا بأعجب من كلام موسى ، كلمه الل ه تكليماً .
و قال آخر : فعيسى كلمه الله و روحه .
و قال آخر : و آدم اصطفاه الله .
فخرج عليهم فسلم ، و قال : قد سمعت كلامكم و عجبكم ، أن الله تعالى اتخذ إبراهيم خليلاً ، و هو كذلك ، و موسى نجي الله و هو كذلك ، و موسى نجي الله ، و هو كذلك ، و عيسى روح الله ، و هو كذلك ، و آدم اصطفاه الله ، و هو كذلك ، ألا و أنا حبيب الله و لا فخر ، و أنا أول شافع و أول مشفع و لا فخر ، و أما من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها و معي فقراء المؤمنين و لا فخر ، و أنا أكرم الأولين و الآخرين ولا فخر .
و في حديث أبي هريرة رضي الله عنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم : إني اتخذتك خليلاً ، فهو مكتوب في التوراة : أنت حبيب الرحمن .
قال القاضي أبو الفضل : اختلف في تفسير الخلة ، و اصل اشتقاقها ، فقيل : الخليل : المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه إليه و محبته له اختلال .
و قيل : الخليل المختص ، و اختار هذا القول غير واحد .
و قال بعضهم : أصل الخلة الاستصفاء : و سمي إبراهيم [ 71 ] خليل الله ، لأنه يوالي فيه و يعادي فيه ، و خلة الله له نصره ، و جعله إماماً لمن بعده .
و قيل : ال خليل : أصله الفقير المحتاج المنقطع ، مأخوذ من الخلة و هي الحاجة ، فسمي بها إبراهيم ، لأنه قصر حاجته على ربه ، و انقطع إليه بهمه ، و لم يجعله قبل غيره ، و إذا جاءه جبريل و هو في المنجنيق ، ليرمى به في النار ، فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا .
و قال أبو بكر بن فورك : الخلة : صفاء المودة التي توجب الاختصاص بتخلل الأسرار .
و قال بعضهم : أصل الخلة المحبة ، و معناها الإسعاف ، و الإلطاف ، و الترفيع ، و التشفيع ، و قد بين ذلك في كتابه تعالى بقوله : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير [ سورة المائدة / 5 ، الآية : 18 ] .
فأو جب للمحبوب ألا يؤاخذ بذنوبه .
قال : هذا ، و الخلة أقوى من النبوة ، لأن النبوة قد تكون فيها العداوة ، كما قال تعالى : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم [ سورة التغابن /64 ، الآية : 14] .
و لا يصح أن تكون عداوة مع خلة ، فإذاً تسمية إبراهيم و محمد عليهما السلام بالخلة إما بانقطاعهما إلى الله و وقف حوائجهما عليه ، و الانقطاع عمن دونه ، و الإضراب عن الوسائط و الأسباب ، أو لزيادة الإختصاص منه تعالى لهما ، و خفي ألطافه عندهما ، و ما خالل بواطنهما من أسرار إلهيته ، و مكنون غيوبه و معرفته ، أو لاستصفائه لهما ، و استصفاء قلوبهما عمن سواه ، حتى لم يخاللهما حب لغيره ، و لهذا قال بعضهم : الخليل من لايتسع قلبه لسواه و هو عندهم معنى قوله صلى الله عليه و سلم : و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ، لكن أخوة الإسلام .
و اختلف العلماء و أرباب القلوب : أيهما أرفع درجة : الخلة أو درجة المحبة ؟
فجعلهما بعضهم سواء فلا يكون الحبيب إلا خليلا ، و لا الخليل إلا حبيباً لكنه خص إبراهيم بالخلة ، و محمداً بالمحبة .
و بعضهم قال : درجة الخلة أرفع ، و احتج بقوله صلى الله عليه و سلم : لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي عز و جل فلم يتخذه .
و قد أطلق المحبة لفاطمة ، و ابنيها ، و أسامة و غيرهم .
و أكثرهم جعل المحبة أرفع من الخلة ، لأن درجة الحبيب نبينا أرفع من درجة الخليل إبراهيم .
و أصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب ، و لكن هذا في حق من يصح الميل منه و الإنتف اع بالوفق ، و هي درجة المخلوق ، فأما الخالق ـ جل جلاله ـ فمنزه عن الأغراض ، فمحبته لعبده تمكينه من سعادته ، و عصمته و توفيقه و تهيئة أسباب القرب ، و إفاضة رحمته عليه ، و قصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه ، و ينظر إليه ببصيرته ، فيكون كما قال في الحديث : فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و لسانه الذي ينطق به .
و لا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد لله ، و الإنقطاع إلى الله ، و الإعراض عن غير الله ، و صفاء القلب لله ، و إخلاص الحركات لله ، كما قالت عائشة رضي الله عنه : كان خلقه القرآن ، برضاه يرضى ، و بسخطه يسخط ، و من هذا عبر بعضهم عن الخلة بقوله :
قد تخللت مسلك الروح مني      و بذا سمي الخليل خليلا
فإذا ما نطقت كنت حديثي       و إذا ما سكت كنت الغيلا
فإذا [ 72 ] مزية الخلة و خصوصية المحبة حاصلة لنبينا صلى الله عليه و سلم بما دلت عليه الآثار الصحيحة المنتشرة ، المتلقاة بالقبول من الأمة ، و كفى بقوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم .
حكى أهل التفسير أن هذه الآية لما نزلت قا ل الكفار : إنما يريد محمد أن نتخذه حناناً كما اتخذت النصارى عيسى بن مريم ، فأنزل الله ـ غيظاً لهم و رغماً على مقالتهم هذه الآية : قل أطيعوا الله والرسول ، فزاده شرفاً بأمرهم بطاعته ، و قرنها بطاعته ، ثم توعدهم على التولي عنه بقوله : فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين .
و قد نقل الإمام أبو بكر بن فورك عن بعض المتكلمين كلاماً في الفرق بين المحبة و الخلة يطول ، جملة اشارته إلى تفضيل مقام المحبة على الخلة ، و نحن نذكر منه طرفاً يهدي إلى ما بعده .
فمن ذلك قولهم : الخليل يصل بالواسطة ، من قوله تعالى : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين [ سورة الأنعام / 6 ، الآية : 75 ] .
و الحبيب يصل لحبيبه به ، من قوله : فكان قاب قوسين أو أدنى .
و قيل : الخليل : الذي تكون مغفرته في حد الطمع ، من قوله : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 82 ] .
و الحبيب الذي مغفرته في حد اليقين ، من قوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح / 48 ، الآية : 2 ] .
و الخليل قال : ولا تخزني يوم يبعثون [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 87 ] .
و الحبيب قيل له : يوم لا يخزي الله النبي ، فابتدىء بالبشارة قبل السؤال .
و الخليل قال في المحنة : حسبي الله [ سورة الزمر / 39 ، الآية : 38 ] .
و الحبيب قيل له : يا أيها النبي حسبك الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية : 64 ] .
و الخليل قال : اجعل لي لسان صدق في الآخرين [ سورة الشعراء / 26 ، الآية : 84 ] . و الحبيب قيل له : ورفعنا لك ذكرك ، أعطي بلا سؤال .
و الخليل قال : واجنبني وبني أن نعبد الأصنام [ سورة إبراهيم / 14 ، الآية : 35 ] .
و الحبيب قيل له : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
و فيما ذكرناه تنبيه على مقصد أصحاب هذا المقال من تفضيل المقامات و الأحوال ، و كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا [ سورة الإسراء / 17 ، الآية : 84 ] .
�؆ ~ � � p:� �B�
و مثله حديث أبي ذر في تفسير الآية .
و حديث معاذ محتمل للتأويل ، و هو مضطرب الإسناد و المتن .
و حديث أبي ذر مختلف محتمل مشكل . فروي : [ نور أني أراه ] .
و حكى بعض شيوخنا أنه روي [ نوراني أراه ] .
و في حديثه الآخر : سألته ، فقال : [ رأيت نوراً ] ، و ليس يمكن الاحتجاج بواحد منها على صحة الرؤية ، فإن كان الصحيح رأيت نوراً فهو قد أخبر أنه لم ير الله ، و إنما رأى نوراً منعه و حجبه عن رؤية الله .
و إلى هذا يرجع قوله : [ نور أنى أراه ] أي كيف أراه مع حجاب النور المغشي للبصر ، و هذا مثل [ 167 ] ما في الحديث الآخر : حجابه النور .
و في الحديث الآخر : لم أره بعيني ، و لكن رأيته بقلبي مرتين ، و تلا : ثم دنا فتدلى و الله قادر على خلق الإدراك الذي في البصر في القلب ، أو كيف شاء ، لا إله غيره .
فإن ورد حديث نص بين في الباب اعتقد و وجب المصير إليه ، إذ لا استحالة فيه ، و لا مانع قطعي يرده ، و الله الموفق 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اكواد اسلامية html

اكواد اسلامية html اقدم لكم اخوتى فى الله أكوادا اسلامية مهمة جدا لمدونتك تجعلها جذابة        جعل الله ذلك فى ميزان حسناتك ********** طريقة وضع الكود فى مدونات قوقل (بلوجز) من اعلى الصفحة اضغط تصميم أختر اضافة أداة ثم أختر HTML/javascript ضع الكود فى المحتوى ثم اضغط على حفظ ***************    كود اناشيد اسلامية انسخ الكود التالي <center><iframe align="center" id="IW_frame_1438" src=" http://www.tvanashed.com/add/index.htm " frameborder="0" allowtransparency="1" scrolling="no" width="302" height="334"></iframe></center> كود القران الكريم <div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on"> <span class="Apple-style-span" style="color: #887766; font-family: Arial, sans-serif; font-size: small;"><span class="Apple-style-span" style="font-size: 12px;"><span class="Apple-style-span" style...

المبسوط كتاب في الفقه على المذهب الحنفي

  والمبسوط كتاب في الفقه على المذهب الحنفي ، استوعب فيه المؤلف جميع أبواب الفقه بأسلوب سهل ، وعبارة واضحة ، وبسط في الأحكام والأدلة والمناقشة ، مع المقارنة مع بقية المذاهب ، وخاصة المذهب الشافعي والإمام مالك ، وقد يذكر مذهب الإمام أحمد والظاهرية . وطريقة المبسوط أن يذكر المؤلف المسألة الفقهية ، ويبين حكمها على المذهب الحنفي ، ثم يستدل لها ، ثم يذكر آراء بعض المذاهب المخالفة ، ويشرح أدلتها ، ثم يناقش الأدلة ، ويرد عليها بما يراه الحق ، وقد يجمع بين أدلة الحنفية وأدلة المذاهب الأخرى المخالفين لهم جمعا حسنا ، يبعد التعارض . وهذا الكتاب شرح لكتاب " الكافي " للحاكم الشهيد محمد بن محمد المروزي ( 334هـ ) إمام الحنفية في وقته ، وقد جمع في " الكافي " كتب ظاهر الرواية للإمام محمد بن الحسن في فروع المذهب الحنفي . والمبسوط كتاب قيم ومفيد ، وهو أوسع الكتب المطبوعة في الفقه الحنفي ، والفقه المقارن ، ويعتمد عليه الحنفية في القضاء والفتوى ، وفي التدريس والتصنيف . وكان السرخسي قد ألفه كله أو جله إملاء من ذاكرته ، وهو سجين في بئر في أوزجند بفرغانه ، وقال في مقدمته : " فرأيت ال...